بروفيسور بكري موسي عبد الكريم يكتب :نحو حلول استراتيجية لأزمة المواصلات المرتقبة في العاصمة القومية

بروفيسور بكري موسي عبد الكريم يكتب :نحو حلول استراتيجية لأزمة المواصلات المرتقبة في العاصمة القومية
مع اقتراب نهاية الحرب في السودان واستشراف مرحلة العودة الكبرى للمواطنين إلى العاصمة القومية الخرطوم، تلوح في الأفق أزمة مواصلات خانقة ستكون من أكبر التحديات التي تواجه الحياة المدنية في سياق ما بعد الحرب. فالخرطوم التي كانت من قبل تعاني من اختناقات مرورية وبنية تحتية محدودة، تجد نفسها اليوم أمام واقع أكثر تعقيداً، بعدما أجهزت الحرب على مئات الآلاف من وسائل النقل العامة والخاصة وتسببت في نهب وتدمير الركشات والحافلات والسيارات وحتى المواتر والدراجات، مما سيجعل قطاع المواصلات في حالة شلل شبه تام في معظم أجزاء المدينة.
ومع موجة العودة المتوقعة من مناطق النزوح، يتوقع أن تتضاعف الحاجة إلى وسائل نقل آمنة وفعالة في ظل معاناة معظم الأسر من استنزاف مالي طويل يمنعهم من تعويض ما فقدوه من وسائل تنقل، وهو ما ينذر بشلل كبير في الحركة الاقتصادية والاجتماعية ومن شأنه أن يعوق الوصول إلى مقرات العمل والمدارس والمراكز الصحية والخدمات العامة. إن تجاهل هذا الملف الحيوي يعني إبطاء التعافي الوطني وتأخير عودة الاستقرار، ولهذا فإن قطاع المواصلات ينبغي أن يُدرج ضمن أولويات إعادة التعمير لا كمرفق خدمي فحسب، بل كقضية وطنية استراتيجية.
وتتزايد أهمية هذا التحدي بالنظر إلى أن آلاف المواطنين العائدين إلى الخرطوم قد أقاموا خلال فترة الحرب في دول مجاورة مثل مصر وإثيوبيا وأوغندا، حيث شهدوا أنظمة نقل حضرية حديثة ومنظمة تعتمد على مواعيد دقيقة وخدمات مريحة وآمنة وتكنولوجيا متقدمة في الادارة والتسيير . هؤلاء المواطنون اكتسبوا تجربة مباشرة مع خدمات مواصلات متطورة، وأصبح لديهم وعي أعلى بحقهم في خدمة نقل محترمة وفعالة، كما أنهم على استعداد لدفع مقابل معقول إذا توفرت لهم الخدمة بالجودة التي اعتادوها. إن عودة هؤلاء المواطنين إلى الوطن ستمثل ضغطاً إضافياً لتحسين قطاع النقل بما يتماشى مع توقعاتهم وكرامتهم وتجربتهم الجديدة في الخارج، مما يجعل من تطوير منظومة المواصلات مطلباً حضارياً لا يقل أهمية عن أي مرفق أساسي آخر.
ولعل البداية الطبيعية هي إعادة النظر في شركة الخرطوم للمواصلات العامة التي ظلت لعقود تفتقر إلى الفاعلية والانتشار، إذ من الضروري إعادة هيكلتها لتصبح مؤسسة خدمية ديناميكية تتوفر لها الاستقلالية التشغيلية والدعم الفني والمالي وتُمنح المرونة الكافية لإدارة شبكة مواصلات حديثة تلبي احتياجات ولاية مترامية الأطراف. فلا بد من توسيع أسطول الشركة ببصات حديثة وكبيرة وربط المحليات بشبكة خطوط مدروسة جغرافياً وسكانياً، مع زيادة ساعات الخدمة لتشمل المساء والعطلات، وسيعني ذلك استعادة شكل من أشكال الحياة الطبيعية في المدينة.
ولن تكتمل المعالجة إلا عبر توسعة الشبكة لتشمل الأحياء الطرفية التي نشأت خلال السنوات القليلة الماضية والتي يسكن بها الاف الناس الذين ترتبط أعمالهم ومصالحهم بقلب العاصمة. كما أن إنشاء محطات طرفية ومواقف انتظار نموذجية هو أمر ملح في ظل الفوضى التي طالما طبعت حركة المواصلات في المدينة. ويمكن استلهام تجارب دول مثل المغرب التي طورت نموذجاً ناجحاً للنقل الحضري المدمج في الرباط والدار البيضاء، أو أنقرة التي وظفت الشراكة بين البلديات وشركات محلية لتطوير خدمة نقل بأسعار مناسبة.
وتقع على عاتق الدولة مهمة فتح الباب أمام شراكات ذكية مع القطاع الخاص وعلى رأسه شركة جياد الصناعية لتصنيع الباصات محلياً، وهي خطوة يمكن أن تخفض التكاليف وتوفر وظائف وتسهم في بناء قاعدة صناعية للنقل. كما يجب السعي لجذب شركات نقل أجنبية من دول تمتلك تجارب ناجحة في المدن الكبيرة مثل تركيا وماليزيا، مع ضمان احتفاظ الدولة بدور تنظيمي يضمن الخدمة وجودتها وتسعيرها العادل.
أما التفكير الاستراتيجي بعيد المدى فيمكن أن يشمل التوجه نحو إدخال نظام الترام الكهربائي في المحاور الرئيسية مثل شارع إفريقيا وشارع الثورة وشارع الجامعة، وهو خيار أثبت فعاليته في دول الجوار مثل مصر التي أعادت إحياء مشروع الترام في الإسكندرية لتخفيف الزحام في الخطوط الطويلة وتقليل الاعتماد على المركبات الصغيرة. كما أن اعتماد نظم المسارات الخاصة بالباصات الكبيرة يمكن أن يسهم في تقليل الاختناق وتحسين الانسياب المروري دون كلفة هائلة.
ويكتمل هذا الجهد بإصلاح الطرق والبنى التحتية التي تعرضت للدمار، وخصوصاً الكباري والمحاور الرئيسية، إذ لا معنى لتوسيع الأسطول دون طرق قابلة للخدمة. وفي السياق ذاته ينبغي تقنين عمل وسائل النقل الصغيرة كالحافلات والركشات ومنعها من التكدس في وسط الخرطوم مع توجيهها للعمل في الأحياء الطرفية ومناطق الربط الداخلي.
كما يمكن تبني حلول تقنية مثل إصدار بطاقات ذكية مدعومة لطلاب المدارس والجامعات والموظفين الحكوميين وتطبيقات الهاتف الذكي لتحديد المسارات وتتبع الحافلات في تحسين تجربة الركاب. وقد أثبتت هذه الحلول نجاحها في عدة عواصم أفريقية كأديس أبابا التي أنشأت شبكة نقل ذكي خلال العقد الماضي خففت كثيراً من الفوضى المرورية التي كانت تعاني منها المدينة.
إن أزمة المواصلات التي تلوح في أفق الخرطوم لا تمثل مجرد تحدٍ خدمي بل تشكل تهديداً حقيقياً للتعافي الوطني ولنجاح المرحلة الانتقالية في السودان. لذا فإن التحرك الاستباقي من الدولة لمعالجة هذا الملف ضمن خطة وطنية لإعادة الإعمار سيكون بمثابة حجر الزاوية في عودة الحياة الطبيعية وضمان وصول الناس إلى أعمالهم ومدارسهم ومستشفياتهم وأسواقهم. والمطلوب اليوم ليس مجرد دعم عاجل بل رؤية ذكية ومستدامة تُبنى على شراكات فاعلة وتُنفذ بشفافية وبتضافر الجهود الرسمية والشعبية على حد سواء.
مشكلة المواصلات العامة بالعاصمه لن يكون حلها فقط في توفر الباصات والحافلات ولي تجربة شخصيه في فترة التسعينات حيث طلب مني عمل دراسة جدوى لمتوسط دخل باصات العاصمة المثلثه في محاولة لاستيراد بصات وبيعها بالاقساط الشهريه. المهم في الموضوع وبعد البحث الميداني ومراجعة رئاسة مواصلة العاصمه (وكانت مكاتبهم بالقرب من سباق الخيل) كانت مواصلات بري؛ الحاج يوسف؛ الشجره؛ ام درمان والفتيحاب هي الأكثر دخلا. المهم في الأمر كان عدد المرات والزمن الذي تستقرقه كل رحلة ذهابا وإيابا. ولكي لا أطيل؛ وجدت بان المشكله الأساسيه ليس في مسارات هذه الباصات وإنما في زحمة الطرق وتكدس العربات وخاصة في مداخل ومخارج الكباري والطرق الرئيسه. اذكر كل هذا لنصل الي اهم اسباب زحمة المواصلات في اوقات الزر ه؛ والحل كان ممكننا حينها لو طبقت عملية حجز الجهات التي على يمين الشارع للبصات فقط وهو امر معمول به في كل الدول الاوروبيه وعلى راسها بريطانيه واسبانيا. الأمر الثاني والأهم هو الغاء محطات الباصات وتحويل الخطوط للطريقه الدائريه بدلا من تكدس الباصات والهايسات بمحطات الاستاد؛ الشهداء….. الخ في خطوط ربنا لا تحتاج لأكثر من عشره بصات في حركة دائرية مستمرة. هذه الرؤيه طرحتها حينها ولم ياتني حتى رد استلامها وهي دراسة عميقه ومرفق معها مستندات وتقارير من شركة مواصلات العاصمه عن جميع خطوط مواصلاتها بالعاصمه المثلثه الخرطوم. عفوا للاطاله. والشكر اجزله للبروف بكري وهمومه المتواصله لمشاكل وتحديات الجيل القادم وما ينتظره من مسؤليات لتطوير وطننا الحبيب.
.
5